سقف السحوبات لا يطال المواطن ولا ماكينات التصريف الآلي
تفاجأ بعض المواطنين خلال عطلة نهاية الأسبوع بسقف محدّد للسحب بالعملة الوطنية عبر ماكينات الصراف الآلي، وهذا ما جعل الناس يعيشون حالة رعب جديدة تخوّفاً من أن تكون لجأت بعض المصارف إلى وضع سقف على السحوبات بالعملة الوطنية، وبالتالي محدّدة نسبة معينة أسبوعية للسحب. وفي ظلّ حالة القلق التي يعيشها المواطن مترندحاً بين هلع صحي و إهمال عيشي وتأزّم اقتصادي، هل ستضيّق المصارف الخناق عليه من جديد ويصبح عاجزاً عن سحب راتبه بالليرة حتى؟
هؤلاء من يطالهم سقف السحوبات
فيما تشير معلومات أنّ بعض ماكينات صرف الآلي قد تكون اُفرغت من النقود خلال عطلة نهاية الأسبوع بسبب تهاتف الناس لسحب أموالهم، تخوّفاً من تعميم مصرف لبنان الأخير حول سقف السحوبات، يطمئن الباحث في الشؤون المالية والاقتصادية د. محمود جباعي في حديث لـ “أحوال” أنّ مصرف لبنان بتعميمه الأخير لم يضع سقفاً على سحوبات المواطن بالليرة اللبنانية، بل حدّد سقفاً للسحوبات التجارية من مصرف لبنان. وفي هذا السياق، أكدت جمعية المصارف أنّ لا قرار حيال هذا الأمر، وغير معروف حتى الساعة إذا ما كان قرار المصارف أتى منفصلاً استغلالاً للتعميم الذي لم يفرض سحباً لسحوبات المواطن. ويتابع جباعي أنّ مسألة فراغ الماكينات غير دقيقة، ولا تطال كافة المصارف في لبنان.
ويضيف الباحث، مصرف لبنان حدّد نسبة سحوبات معينة من كل مصرف بحسب موجوداته وبحسب رأسماله من العملة الوطنية؛ وينفي أن يكون المواطن مستهدفاً في التعميم الأخير، لافتاً أنّ المستهدف الأساسي هم أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة والتجار الذين يملكون امتيازات التأثير المباشر على حجم الكتلة النقدية بالليرة في السوق والتي وصلت اليوم إلى حدود ٢٤ الف مليار ليرة، مردفاً “هذا الرقم هو السبب الرئيسي لتفلّت سعر الدولار، لأنّ عرض النقود بالليرة أكبر بكثير من عرض النقود في الدولار”. وأكد الباحث أنّ هذا التعميم لا يجب أن يطال الأفراد والمواطنين من أصحاب الودائع المتوسطة والصغيرة.
نوعان من العملة الوطنية
ويلفت الباحث في الشؤون المالية والاقتصادية إلى إيجابيات سقف السحوبات لناحية إعادة التوازن بين عرض الليرة اللبنانية وعرض الدولار في السوق، قائلاً: هذا من شآنه حتماً أن يخفّض سعر صرف الدولار في المرحلة القادمة، لأنّ تحديد هذا السقف سيضبط عملية التفلت النقدي الحاصل اليوم في السوق السوداء؛ بمعنى آخر سينخفض حجم الكتلة النقدية بالليرة التي تُستخدم لشراء الدولار، وبالتالي سينخفض الطلب تدريجياً على الدولار مما سيؤدي إلى ضبط سعره ومنع تفلته.
بالمقابل، يعتبر الباحث أنّ سلبيات سقف السحوبات تكمن في انخفاض الطلب على الاستهلاك بالسوق مما سيضعف الاستثمار والإنتاج، وسيؤدي ذلك إلى مزيد من الركود الاقتصادي، وهذا من شأنه أن يخلق نوعين من العملة الوطنية: الأول هو “الكاش ليرة” والثاني هو “الليرة الإئتمانية” أي الليرة الحسابية في المصارف.(المقصود بالكاش ليرة هو ما يملك المواطن من ليرات نقدية، فيما الليرة الإئتمانية، فهي النقود التي يملكها في المصرف). ومن الطبيعي أنّ تتفوّق قيمة “الكاش ليرة” على “الليرة الإئتمانية” كما هو الحال بين دولار السوق الذي يبلغ ٨٠٠٠ ليرة كحد وسطي ودولار المصارف الذي يبلغ ٣٩٠٠ ليرة.
المطلوب التحرّك الفوري لإعادة الثقة
المشكلة الأساسية لهجوم الناس على ماكينات الصراف الآلي تعود لفقدان الثقة بالقطاع المصرفي، الذي جعل المواطن لا يتقبّل أيّ تعميم صادر لخوفه من مخاطره المستقبلية، بحسب جباعي، الذي يؤكد على ضرورة إعادة الثقة للمودعين عبر إجراءات قبل المضي قدماً بأي تعميم جديد.
وفيما يتعلّق برفع الدعم عن الدواء و المحروقات والغذاء، يقول جباعي: “لا يوجد بديل عن رفع الدعم، لانّ ما عدا ذلك هو خراب ودمار لما تبقى من أمان إجتماعي للمواطنين. فكل الحلول المقترحة كالبطاقة التموينية أو الذكية لا يمكن تنفيذها في لبنان بسبب عدم توفر إحصاءات موضوعية وشفافة وبعيدة عن المحاصصات المذهبية.”
ويقترح الباحث ضرورة العمل على إنشاء صندوق هدفه إبقاء الدعم من خلال الحصول على تمويل البنك الدولي أو البنك العربي أو التوافق مع المصارف اللبنانية على وضع جزء من أرباحها لمصلحة هذا الصندوق، لانّ رفع الدعم سيؤدي إلى الدمار الحتمي.
وفيما ينتظر اللبنانيون الدعم الدولي وانفراجات متوقعة من صندوق النقد الدولي، لتحسين سعر صرف الليرة أمام الدولار، والتخلّص من جشع التجار المتروكين دون هيئة رقابة ولا ضبط وزاري، يرى المحللّ والباحث في الشؤون الاقتصادية الدكتور محمود جباعي أنّ أجواء تفاؤلية لا بد أن تلوح في الأفق بعد أن يتم تشكيل الحكومة العتيدة المتوقع العمل على تشكيلها الأسبوع المقبل، إن حظيت بتوافق لبناني شبه كامل ودعم دولي.
ويطرح الباحث عدّة خطوات مطلوبة لإنقاذ البلاد، لافتاً إلى دور الحكومة الضروري لتوجيه البلاد نحو مرحلة إعادة النمو، والسعي نحو مؤشرات اقتصادية أفضل عبر معالجة الملفات التالية:
- التدقيق الجنائي ومحاربة الفساد.
- العمل على ملف التدقيق المالي خلال مهلة حدّدها الرئيس الفرنسي ( 3 شهور).
- دراسة مالية لمصرف لبنان: خسارته/ موجوداته/ خروج الأموال/ كيفية إعادتها.
- معرفة أين ذهبت أموال المودعين وإعادتها إلى أصحابها. (إعادة 30 بالمئة منها بحسب بيان مصرف لبنان)
- إنهاء الهيركت على ودائع الناس.
- الإستفادة من مشروع قطع الحساب، الذي كشف عن 27 مليار دولار غير معروفة جهتها.